ولد نذير بوزار بالرباط سنة 1917، من أب جزائري وأم إيطالية (*). ويفهم من سيرته التربوية أنه كان محظوظا، فقد درس بثانوية ''كورو'' (الحسن الثاني حاليا) وتابع دراسته بالجامعة الفرنسية.. وأصبح بعد التخرج ضابط أمن بالدار البيضاء برتبة نقيب. هذه الوضعية المريحة في ''جنة'' الحماية الفرنسية بالمغرب، لم تحمه من صدمة الاكتشاف الفجائي لحقيقة الاحتلال في المغرب العربي عامة.
هذه الصدمة أحدثت انقلابا في حياته، فإذا هو بالقاهرة عام 1953 للبحث عن حقيقته الجديدة.
استقر بالعاصمة المصرية، حيث حصل بعد جهد جهيد على منصب أستاذ فرنسية بإحدى الثانويات.. وبعد فترة وجيزة اتصل بأقطاب النضال والكفاح التحرري اللاجئين هناك، أمثال الأمير الخطاب وعلال الفاسي وأحمد بن بلة..
ويعرّفنا بوزار في هذا الصدد بمناضل متفرنس مثله عاش صدمة مماثلة قبله. هذا المناضل الكاتب الذي استقر بالقاهرة غداة الحرب العالمية الثانية، هو مصطفى بشير ميادي من جنوب شرق الجزائر.
هو أيضا مثله خاب ظنه في فرنسا! كانت أمه فرنسية ووالده باشاغا حائزا على وسام الشرف.. وبفضل ذلك درس بانتظام، إلى أن حصل على شهادة الدكتوراه في الحقوق وامتهن المحاماة بعض الوقت. وكان في مواقفه السياسية من دعاة الاندماج، على أنه يتحدث الفرنسية بلكنة باريسية. وكدليل على إيمانه ''بوطن الحرية وحقوق الإنسان''، تطوع في الجيش الفرنسي وأصبح من ضباط اللفيف الأجنبي!
غير أن هذه الصورة المثالية عن فرنسا ما لبثت أن ذابت فجأة مثل كرة الثلج. فإذا بهذا ''الاندماجي'' يتعاون مع الألمان أثناء الحرب العالمية الثانية، ويصبح عقيدا في ''الكتائب العربية'' تحت إشراف ''الفيرماخت''!
طبعا بعد هزيمة هتلر حكم عليه بالإعدام لخيانته، فلجأ رفقة زوجته الألمانية إلى القاهرة حيث اشتغل بالاستشارة والكتابة.
تعرّف عليه بوزار في آخر أيامه، وكان مصابا بسرطان الحنجرة.. وصادف أن حضر وصيته الأخيرة لحظات قبل أن يلفظ أنفاسه، رفقة مناضلين كبار من المغرب العربي منهم من الجزائر السادة: محمد خيضر، أحمد بن بلة، الشاذلي المكي، أحمد بيوض، ومن المغرب: عمر الخطابي، ومن تونس: المنجي بن الطيب. كانت وصية هذا المناضل الكبير الأخيرة قبل اندلاع الثورة هي ''سنقضي عليهم''، واستكمل جملته بالإشارة الدالة على زخة الرشاش بعد أن خانته أنفاسه. ولفرط إعجاب بوزار بهذا الفقيد، فقد اعتبره ''ثائرا كبيرا'' ومن ''رجالات القرن العشرين''. وقد شيّعت جنازته بالعلم الجزائري الذي يظهر بالقاهرة أول مرة.
(*) عمل بوزار بعد الاستقلال بالسلك الدبلوماسي، حيث أصبح وزيرا مفوضا، وقد توفي في 12 أوت .1975